بقايا زى عسكرى وجدران ملطخة بالدماء

بقايا ملابس الضحايا فى مكان الحادث بقايا ملابس الضحايا فى مكان الحادث
رائحة أدخنة البارود مختلطة برائحة الدماء تستقبلك حين تصل لبوابة الاستاد، وبالداخل بقايا زى عسكرى ممزق ملقى على الأرض، إلى جوار غرفة صغيرة جدرانها المهدمة ملطخة بالدماء، وأعمدتها مدمرة من شدة الانفجار، الذى طال الاستاد الرياضى بكفر الشيخ، وتسبب فى استشهاد طالبين بالكلية الحربية، كانا فى طريقهما للعودة إلى الكلية مع زملائهما بعد قضاء إجازة «شم النسيم» مع ذويهما. ساعات مرت على الانفجار، وما زال موقع الحادث يضج بالمتوافدين بوجوههم الواجمة من أهل المحافظة، التى تشهد لأول مرة حادثاً إرهابياً بهذا القدر من البشاعة.
بين الوجوه العابثة المتوافدة لتفقد موقع الحادثة، ومشاهدة ما تبقى من الانفجار الذى أفزع أهالى المحافظة وأدمى قلوبهم، يقف «خالد عبدالرحمن» بعينين شاخصتين نحو موقع الانفجار، يتحدث لمن يرافقه فى جوله داخل الموقع عن أن طلاب الكلية الحربية غير معتادين على التجمع خلال رحلة العودة للكلية داخل الاستاد الرياضى، وإنه عادة ما كان يشاهدهم يتجمعون عند مكتب البريد فى شارع «النبوى»، الذى يقع على مقربة من شارع الاستاد، ويقول «خالد» لـ«الوطن» إن «الانفجار حدث تقريباً فى الساعة 11 صباحاً»، ثم ينحّى «عبدالرحمن» ويمسك بطرف سترة عسكرية ممزقة فى موقع الحادث، ويقول ممتعضاً: «ذنبهم إيه شباب زى الورد يموتوا.. لسه فى الكلية لا عملوا خير ولا شر»، مشيراً إلى أنهم يتفقون دائماً مع سائق ينقلهم بعد الإجازة إلى الكلية، معتقداً أن اختيارهم ذلك المكان للتجمع فيه، لأنه الآمن داخل المحافظة، فعلى مبعدة من موقع الحادث تستقر قوات جيش جاءت لحفظ الأمن منذ ثورة 25 يناير 2011 ولم تغادر، وبجوار الاستاد يستقر قسم ثانى كفر الشيخ، ومركز شرطة كفر الشيخ.
قرب بوابة الاستاد، يقف «عمرو محمد» وهو يشير إلى مكان سقطت فيه أحشاء أحد الضحايا، وجرى إخفاؤها بالرمال، فالشاب العشرينى، الذى يعمل بشركة الكهرباء، تصادف وجوده فى موقع الحادث أثناء الانفجار، حيث كان يعمل فى تركيب عداد كهرباء بالصالة المغطاة المتاخمة لموقع التفجير، وساقه القدر قبل الانفجار بلحظات لخارج القاعة، ليشاهد الأشلاء المتطايرة وقت الحادث: «فى نص واحد لقيته بيقع جنبى، نص جسم بنى آدم وقع وأنا واقف مبقتش عارف أعمل إيه، ألمّ إيه من اللى باقى من جسمه ولا أوديه فين، شاب صغير عمره ميجيش 18 سنة مبقاش منه غير نصه الفوقانى». يكمل «عمرو» أنه جمع 4 أجزاء متفرقة من الجثة، وحسب رواية شهود عيان، كان كثير من الأشلاء متناثرة، ويقول «عمرو»: «لمينا أجزاء وأحشاء كتير اللى طارت ووقعت على الأرض»، ويتدخل أحدهم كان يقف بجواره وهو يقاطعه: «لا، دول ييجى ستة»، ولكن يعاود الحديث «عمرو» مؤكداً أنها لا تتعدى الأربعة جثامين.
أمتار معدودة تفصل بوابة الاستاد، وأحد مطاعم اللحوم، وعلى مقربة من مدخل المطعم الأنيق، يجلس سامى فهمى، مدير المطعم المجاور لاستاد كفر الشيخ، يطالع المارة فى الشارع الذى فرغ ليلاً من المتوافدين لموقع الانفجار، بعدما كان يضج نهاراً بأهالى الضحايا والذين تساقطوا أمام عينه، بعدما شاهدوا أبناءهم «اللى زى الورد» أشلاء على أرصفة الطريق، يلملمها أصحاب المحال المجاورة للاستاد فى أكياس سوداء: «ست أول ما شافت أحشاء ابنها على الأرض وقعت جنبها»، ليست السيدة وحدها التى سقطت مغشياً عليها من هول الصدمة، بل يقول الرجل الخمسينى إنه أكثر من 12 شخصاً من أهالى الضحايا سقطوا فى الشارع بعدما شاهدوا جثامين ذويهم، وأشلاءهم التى تطايرت من الانفجار.
يقول «فهمى»، الرجل الخمسينى، إن شباب الكلية الحربية والذين يقدر عددهم بـ50 طالباً بدأوا فى التجمع بالاستاد منذ شهر ونص تقريباً، يتجمعون كل أسبوع داخل الاستاد، حتى تأتى الحافلة، وتنقلهم فى حماية قوت تأمين للكلية الحربية: «بس المرة ديه الأوتوبيس مجاش، وصل بعد ما وقع الانفجار بنص ساعة تقريباً»، ما زال الرجل متأثراً بما شاهده وقت الانفجار، والذى كان يقف فى مواجهته، فاتجه نحوه بعدما صاح فى عمال المحل ليستكملوا عملهم وعدم المشاركة فى عملية الإنقاذ خوفاً من تكرار الانفجار، ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه، فتوجه لجمع الأشلاء ونقل المصابين إلى الإسعاف: «الحاجة الوحيدة اللى شوفتها على بعضها، كف إيد وراس شهيد».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق