المدام فى السبعين ولسه عروسة.. "محفوظة"

محفوظة محفوظة
بينما تستعد الشمس للرحيل تجلس «محفوظة عبده شعير» متحدثة إلى والدتها، يهفو صفير القطار، ينتفض قلب الفتاة فرحاً، فبعد طول غياب سترى «فؤاد» خطيبها الذى يؤدى فترة تجنيده، دقائق ليست بقليلة يأتى الأب معلناً الغد زفاف ابنته فإجازة العريس قصيرة، يتبدل حال المنزل من السكون إلى الفرحة بالزفاف المفاجئ، ذلك اليوم الذى ما زال محفوراً فى ذاكرة «محفوظة» رغم بلوغها السبعين. تنتقل العروس إلى بيت زوجها فى زفة ترسم ضحكات حلم طال انتظاره، ستة أيام فقط قضتها «محفوظة» مع زوجها، قطعها استدعاء جاءه للرجوع إلى وحدته العسكرية، لم تدرك وقتها العروس أن طبول الحرب دقت، مرت الأيام والشهور والسنون ولم يعد العريس ولم تأت أخباره، لكن الزوجة ظلت على العهد باقية حتى بعد اعتبار زوجها من المفقودين، ظلت كما هى زوجة له وأماً لابنه الذى تحرك فى أحشائها بعد غيابه بشهور: «من ساعة ما قامت الحرب مارجعش، دورنا عليه فى كل مكان على أمل إنه يكون لسه عايش وتم أسره، أو ضل طريقه فى الصحراء بعد النكسة دون جدوى، والحكومة اعتبرته من المفقودين والشهداء، وده الخبر اللى اتسبب فى موت أبوه».
رحلة من العذاب قضتها الزوجة المترملة فى مواجهة مجتمع لم يرحم وحدتها: «عمرى اندفن مع زوجى اللى ماعرفش مكانه، وحظى فى الدنيا اتولد مع ابنى اللى نسيت نفسى فيه، وقلت ربنا رضانى وعوضنى، فضلت معاه كبرته وعلمته وجوزته، وكل أمنيتى فى الدنيا يدفنى فى قبر عارف مكانه يزورنى فيه ويقرا لى الفاتحة أنا وأبوه، لكن إرادة ربنا نفذت ومات هو كمان وترك لى ولدين وبنت». تتوقف الكلمات أمام دموع أم ثكلى، قبل أن تواصل حديثها بنبرة يسكنها الصبر ويعلوها الرضا: «لما كنت باسمع خطاب عبدالناصر بعد النكسة كنت بابكى وأقول لأبويا فؤاد هيرجع ولو مارجعش حقه مش هيضيع ومفيش غريب هيربى ابنه، حرمت نفسى من حقى فى الحياة عشانه وعشان ولاده من بعده».
سنوات من العذاب لم تجف فيها دموع العروس العجوز، كما لم ينل الحزن من إرادتها رغم إدراجها فى قائمة النسيان كما زوجها، تحيا على أمل زيارة لبيت الله الحرام تختمها بلقاء ربها ووحيدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق