على سلالم الكلية التى تحول لونها إلى الرمادى بفعل الأتربة، جلست «نورة» الطالبة بكلية التجارة جامعة القاهرة تتحدث مؤكدة أنها لم يعد لديها أى رغبة فى الذهاب إلى الجامعة، لم تعد تتحمل مزيداً من المضايقات، تقبلت كغيرها من الطالبات أمر معاكسات الزملاء، لكن ما جعلها تكره نفسها وتتمرد على فكرة أنها «مجرد قطعة لحم رخيصة»، على حد قولها، لم يكن تحرش الزملاء أو العاملين. تتذكر «نورة» عدد المرات التى حاولت فيها الإفلات من نظرات الزملاء وكلماتهم الخادشة دون أن تجدى محاولاتها نفعاً يوماً ما: «مينفعش تدخلى الجامعة وتخرجى منها من غير ما تتعرضى لمضايقات، مرة تبقى يا موزة، ومرة كلمات خادشة للحياء، ومرة حركات. الطالب المتحرش لو معرفش يلمس جسم البنت، يشتغلها بحركة وهمية ويخوّفها، احنا تعودنا على كده وكل واحدة فينا عندها أسلحتها التى منها مبرد الأظافر ودبابيس الحجاب، لكن لما الأمر يوصل لأن المتحرش يكون دكتور مادة نتصرف إزاى؟».
«نورة» فقدت ثقتها فى جميع أساتذة الجامعة، بل فى جنس الرجال جميعاً بعدما تعرضت لحادثة تحرش داخل أحد مكاتب الدكاترة بالجامعة، ليست هى فقط بل كثيرات من زميلاتها، على حد قولها «قابلت دكتور مادة الاقتصاد وأنا داخلة من بوابة الجامعة فى يوم، بعد ما دخل بسيارته إلى الحرم الجامعى بخطوات نده عليَّا فذهبت له، قال لى: تعالى لى المكتب بعد الظهر عايزك فى موضوع مهم، ولما طلعت له المكتب قال لى حاجة غريبة جداً مفهمتهاش فى البداية: انتِ جايبة الطقم اللى انت لبساه ده منين، أصله شيك قوى عليكى وأنا عايز أجيب واحد زيه هدية لواحدة بحبها لطيفة زيك، قلت له يا دكتور هى دى حاجة تخص الدراسة؟ هو أنا مفروض جاية أتعلم ولا أعمل إعلانات للبس؟ وكان رد الدكتور الأربعينى: احنا دلوقتى مش فى المحاضرة، ثم أخذ يتحرك من جانب مكتبه، الذى وضع أعلاه عدداً من الشهادات الجامعية التى حصل عليها، فى اتجاهى فهممت بالانصراف، فاستوقفنى قائلاً: أنا ممكن أساعدك فى الدراسة، لأن أنا مقتنع إن انت عقلك كويس وهتبقى حاجة كبيرة فى مجال المحاسبة».
كان لصوتها نبرة اليأس وخيبة الأمل وبشكل مفاجئ اعتدلت فى جلستها وتغيرت قسمات وجهها: «لم أهتم إطلاقاً بتبليغ إدارة الجامعة عن هذه الواقعة، ليس خوفاً بل لعدم ثقتى فى أن إدارة الجامعة يمكنها أن تتخذ أى إجراء ضد أى عضو هيئة تدريس، وأنا لا أول طالبة دكتور يتحرش بها، ولا دى أول واقعة تحصل، كل هدفى دلوقتى إنى أخلص الجامعة بأى شكل، وسجلت له عشان أوقفه عند حده وميشيلنيش المادة، لكن مش مهتمة إنى أصلح الدنيا».
«ريحانة»: زميلتى تحرشت بى وأرسلت لى صوراً إباحية على الإنترنت.. و«أحمد»: بعض الطالبات يتعمدن إثارة الشباب.. والبنت بقت بتقول لزميلتها «شوفتى المز اللى معدى»!بينما يقول أحمد فتحى، الطالب بكلية الحقوق جامعة عين شمس: المسئولية مزدوجة بين البنات والأولاد، فبعض حركات البنات تدفعنا للتفكير فيهن بطريقة بنقول عليها إنها «شمال»، فهى إما تكون بطريقة اللبس التى تراها البنات حرية شخصية وهى متأكدة إنها مثيرة للشباب، وفيه طالبات تتعامل مع مرحلة الجامعة على أنها فترة للتحرر من الدراسة والأهل وقبل الجواز». يضيف الشاب مستنكراً: «كثير من الفتيات أيضاً يتحرشن بالشباب وبيعاكسوا زملائهم عادى جداً، ودى حاجة منتشرة مش زى ما الناس متخيلة إنها نادرة، بالعكس الموضوع الأسهل إن البنت هى اللى بتعاكس دلوقتى، وعادى إنك تسمع وانت ماشى فى الجامعة بنت بتقول لزميلتها «شوفتى الموزز اللى معدى» أو «تعض على شفايفها». لم يكن التحرش بطالبات الجامعات من نصيب فتيات الجامعات الحكومية، التى قد تضم بطبيعتها فئات مختلفة من المجتمع، بل امتد ليصل إلى جامعات الأغنياء.
الألم النفسى والعصبى الذى تتعرض له فتاة وجدت نفسها وحيدة بين يدى ذئب بشرى يحاول أن يفترسها لا يمكن لأحد أن يتخيله، الضعف وقلة الحيلة التى تحل بتلك الفتاة لا يمكن لأحد أن يصفها سوى فتاة مرت بتلك التجربة القاسية، «غادة على» طالبة بالجامعة الألمانية، خفيفة الظل، يمكنك أن تتحدث معها لساعات دون أن تصاب بالملل، جلست على العشب فى ساحة الجامعة تحاول لملمة ألم لا يفارقها كلما تذكرت، بصوت تعتصره الدموع وهى تتذكر تفاصيل صادمة لقصة تحرش تعرضت لها داخل الجامعة: «كنت ذاهبة إلى الحمام وبعد أن دخلت للباب الذى يضم خلفه الحمامات وجدت أحد عمال النظافة يدخل خلفى ويغلق الباب، سألته: ماذا تفعل؟ فقال لى: بنظف الحمامات، قلت له وأنا أرتجف: «الحمامات ينظفها سيدات اطلع بره أو أخرج أنا»، دفعنى إلى أحد الجدران بعنف، وحاول أن يقترب منى لكنى دفعته بقوة أنا الأخرى بعيداً عنى وذهبت إلى داخل أحد الحمامات وأغلقت الباب».
فيما تؤكد «ريحانة» الطالبة بكلية الفنون التطبيقية: «دخلت الحمام مع إحدى زميلاتى التى حاولت التقرب والتودد لى من فترة، خلعت الحجاب عشان أعدل شعرى، فانتبهت وهى تضع يدها على شعرى وتتحسسه، ثم قالت لى شعرك حلو جداً خسارة إنك لابسة حجاب»، بدا الأمر فى البداية كأنه مجرد تعليق بإعجاب بشعرى، لكن بعدها بفترة طلبت منى أن أذهب معها للحمام لأنها لا تريد الذهاب بمفردها وذهبت معها فعلاً بشكل طبيعى».
تبتسم «ريحانة» بتعجب ثم تتابع: «فوجئت بأنها جاءت من الخلف وحضنتنى ووضعت يدها على مكان حساس فى جسدى، لم أكن قادرة على استيعاب الموقف، لو كان ولد كنت قلت ماشى بس بنت بتتحرش بىَّ دى حاجة جديدة، استدرت لها ودفعتها بعيداً عنى وقلت لها انتى أكيد مش طبيعية».
لم ينته الأمر عند هذه المرة، تقولها «ريحانة» وهى تكمل: «بعدها بيومين حاولت تعتذر لى ولما رفضت أرسلت لى صوراً إباحية على الحساب الخاص بى على (فيس بوك) مرفقاً معها رسالة بتقول مش أحسن ما نعمل مع الشباب، وعلى الفور قمت بعمل حظر لها».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق